logudl logudl جامعة جيلالي ليابس - سيرة جيلالي ليابس

الفهرس العلمي - تصنيفات الباحثين

الملتقى الثاني حول ريادة الأعمال

عرض المنح الدراسية



فهرس المقال

 

bio-d-liabes


 

 

ولد الفقيد البروفيسور جيلالي اليابس بتاريخ 01/01/1948 بمدينة سيدي بلعباس، إحدى حواضر الغرب الجزائري، وهو اصغر إخوته في أسرة تتكون من 3بنات و 3 أطفال. وكان والده" قدور اليابس" يمارس حرفة الصياغة la bijouterie، فهو سليل أسرة جزائرية، تقليدية عادية. وما يتميز به بيتهم المتواضع والمتواجد في حي مون بليسير Mont plaisir هو الممارسة الدينية من خلال القراءة اليومية للقران والأحاديث ،كما كانت المكتبة العائلية تحتوي على كتب حول الفكر الإسلامي ،ضف إلى ذلك مخطوطات الوالد" قدور اليابس" التي كان يكتبها بصفة منتظمة من خلال تحرير تعليقات وخلاصات ذات منحى ديني.

سيدي بلعباس في العصر الكولونيالي ، مدينة بها حامية للجيش الفرنسي،وتوجد بها اكبر الثكنات العسكرية للفيف الأجنبي légion étrangère ، ولم يكن الأهالي يستسيغون هذا الحضور العسكري الفرنسي السافر في مدينتهم ، مما ولد التذمر والتمرد في النفوس، وكان ذلك إحدى أسباب انخراط عائلة اليابس في صفوف ثورة التحرير المباركة، بل وفي بداياتها ،حيث أصبح البيت العائلي مكانا لتخزين الأسلحة وملجأ للمجاهدين (مجاهدي الولاية الخامسة*التاريخية).انضم اثنان من أشقاء جيلالي وإحدى شقيقاته مبكرين إلى صفوف جيش و جبهة التحرير الوطني، وبدا الراحل جيلالي ذو الاثني عشرة سنة يعرف ويعي المحن الكبيرة التي خلفها الاستدمار الفرنسي في نفسية أسرته، التي فقدت أخاه الشهيد عبد الرحمن صاحب ال17سنة في ساحات الوغى. وعشية وقف إطلاق النار تم اغتيال أخيه من طرف المنظمة الإرهابية O.A.S بسيدي بلعباس عندما كان رفقة زوجته الحامل، والتي جرحت بدورها في هذه الحادثة الاجرامية،وهكذا تشرفت أسرته ببصمات وطنية شقيقيه الشهيدين.

هذه الأحداث المفجعة، كانت نقطة انعطاف حولت جيلالي اليابس، من ذلك الشاب المراهق إلى رجل ناضج. وهذا ما ساهم في صقل شخصيته والبحث عن مسار واتجاه واضح المعالم، حيث اختار المطالعة و القراءة ركنا أساسيا للانبعاث والانطلاق نحو مستقبل مشوب بالحذر؛ فكان يطالع وبدون توقف، وبطريقة شرهة boulimique كل ما يقع في يده من صحف وروايات وكتب ومجلات؛ هي من الزاد المعرفي لكل مراهق وناضج يريد معرفة الحقيقة، فكان يطالعها ثم يعيد مطالعتها والتعمق في مفرداتها.

أصبح الرجل وحيدا ومنعزلا؛ كون شقيقاته قد تزوجن، اما شقيقاه فقد استشهدا، وهذه المراهقة التعسة لم تكن بمعزل عن نفخ روح الثأر فيه؛ فقد هدد بهجر الثانوية لما كان في السنة الثانية ثانوي (2) classe de première ، كون النظام المدرسي غير سار، ولا يتماشى وطموحاته العلمية. ومهما يكن من أمر فقد وجد ضالته في القراءات الحرة التي اختارها من تلقاء نفسه، و بقي على هذا المنوال من التفكير في الجامعة . بعد البكالوريا، ترك سيدي بلعباس واختار المدرسة العليا للأساتذة بالجزائر (L'école Normale Supérieure) أين بدا دراسة الفلسفة لدى أساتذة أمثال Georges labica و Etienne Balibar بقي الطالب اللامع جيلالي يتعامل بريبة وحذر مع الانضباط المدرسي،فكان قليل المواضبة على الدروس ؛ إلا انه استطاع ومن خلال اجتهاده الشخصي من تحقيق النجاح المنشود . وبدا يقتنع ومن ثم يلج نوعا من الالتزام السياسي منذ التحاقه بالمدرسة العليا للأساتذة ،كما بادر سنة 1968 رفقة شلة من رفاقه بتأسيس ناد للدراسات الماركسية ، وحث العديد من الطلبة على قراءة ماركس وفلاسفة آخرين.انه رجل كتوم من ناحية ، ومن ناحية أخرى فهو جد فعال تجاه الآخرين،.فكان يعيش وحدة نشطة،ولم يكن انعزاليا فهو يرفض الانضمام الرسمي إلى الحركة الطلابية حفاظا على استقلالية فكره، وحريته في التحليل؛ كما فعل لاحقا برفضه ولنفس الأسباب الانضمام إلى حزب سياسي، سواء في عصر الأحادية أو التعددية التي افرزها الدستور الجزائري (فبراير 1989).

 


 

بعد حصوله على شهادة الليسانس'(الأجازة في الفلسفة) اختار التوجه نحو التعمق في دراسة علم الاجتماع والاقتصاد، والتحق سنة 1971 بمركز البحث التابع لوزارة التخطيط(الجمعية الجزائرية للبحث في الديمغرافيا، الاقتصاد وعلم الاجتماع)،A.A.R.D.E.S واشرف خلال 10 سنوات على إحدى اكبر الدراسات التي تبناها هذا المركز الأكاديمي والمعنونة"القطاع الخاص في الجزائر" وحضر وناقش في نفس الوقت أطروحة دكتوراة الدور الثالث بعنوان :"راس المال الخاص وأرباب الصناعة في الجزائر من 1962الى1982"(1) في جامعة مرسيلياUniversité d'Aix –Marseille ،ثم عاد بعدها إلى جامعة الجزائر كأستاذ ومدرس للعلوم الاجتماعية؛ليقوم بتلقين علومه باللغة العربية، التي بذل جهودا جبارة للتحكم فيها، كيف لا وهي لغته الفطرية التي تعلمها في البيت العائلي؛ مما مكن له أسباب استرجاعها مقرونة بذكريات معلمه الأول والده، ثم واصل دربه التحصيلي باستماتة وعمل شخصي كبير في محاولة منه للتحكم الكامل في اللغة العربية، وأعطاها بعدا جماليا في حسن اختياره المفردات الدالة والمؤثرة في نفسية المستمع والقارئ على السواء، مما حبب للناس أكثر فأكثر هذه اللغة.

تابع مشوار البحث الأكاديمي وناقش سنة 1988 أطروحة دكتوراة الدولة بجامعة باريس7Université de Paris والتي عنونها"مؤسسات، منظمون وبرجوازية الصناعة في الجزائر: عناصر سوسيولوجيا المسعى" وانطلاقا من هذا العمل العلمي الرصين شارك في العديد من الملتقيات الوطنية والدولية. وقد بقيت أبحاثه وأعماله العلمية إلى يومنا هذا كمرجعية أساسية وضرورية لكل المهتمين بالمسائل والحيثيات التي عالجها وتطرق لها خلال مساره الجامعي الثري بالاجتهادات الجادة والمكيفة مع واقع الشعب الجزائري، وهذا الأمر لعمري يثبت ميزة الصبر على الشدائد والكوابح الكثيرة.
-عين سنة1990 مديرا لمركز البحث في الاقتصاد التطبيقي للتنميةC.R.E.A.D ولم يثنه ذلك عن متابعة التدريس لصالح طلبة السنة الأولى، كما حافظ على تاطير العديد من الطلبة في اطروحاتهم ، ودرب الكثيرين على طرق التحليل العلمي، مما جعله يقتنع بأهمية تأسيس "الجمعية الجزائرية للمستقبليات"، ويعتبر الرجل خبيرا في الاستشراف،

عين وزيرا للجامعات في جوان 1991- في مرحلة عرفت فيها الجزائر أحداثا دامية - تلتها انكسارات عميقة، وعمل جاهدا على انبعاث هذه المؤسسة العلمية وفق مقاييس النجاعة والمصداقية، وكان صريحا في تشخيص داء تسيير الجامعة الجزائرية من خلال ثلاث نقاط حساسة(غير واردة في الكتاب محل الدراسة)، هي:

1-الأستاذ الناجح في المدرج ليس بالضرورة ناجحا في التسيير الإداري للمعهد أو الفرع؛

2-المراكز الجامعية المشيدة في إطار التوازن الجهوي تعاني ضعفا في التاطير العلمي؛ وقد حادت عن الدور المنوط بها وأصبحت بؤرا لزرع العشائرية والزبائنية؛

3-هناك تخصصات وفروع يتعين أن تكون في الجامعات الكبرى وحدها، مع سماح نسبي للتكوين في الجذوع المشتركة على مستوى المراكز الجامعية؛
-بعد سنتين، من هذا التعيين، عين من جديد مديرا للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملةI.N.S.E.G، وقد اشرف على دراسة مستقبلية سميت"جزائر2005" ، كان الهدف منها حصر إمكانيات الجزائر وبناء توقع علمي كفيل بإخراج البلد من عنق الزجاجة والمضي قدما لضمان مستقبل أجيال ما بعد البترول وفي ظل تسيير أزمة ناتجة عن مؤثرات خارجية أكثر ما هي داخلية صرفة، وأشار حينها إلى عائق في تصور هذه الدراسة من قبل الخبراء؛ وهو العائق المنهجي، إلا انه تمكن بفعل خبرته من رصد النقاط البؤرية في الدراسة واجملهافي: القطيعة، العصرنة، المادة الرمادية والذكاء، التكتلات، إعادة تموقع القوى الخارجية، السيادة الوطنية، امكانات الجزائر.....الخ
تصريح لجريدة الجزائر الأحداث Algérie Actualite في فيفري1993) لكن هذه الدراسة الاستشرافية المتكاملة لم تنشر بشكل مباشر.


 

تزوج سنة 1972 مع السيدة دليلة درقيني، وهو أب لثلاث أطفال: صبري(1973) و هند(1974) و دليل(1992)

جليل اليابس كان من ضحايا المأساة الوطنية- التي ضربت الجزائر في عنفوانها، وقد اغتيل ذات صباح ربيعي من يوم 16مارس 1993 ، بالقرب من منزله بالحي الشعبي ابن عمر-القبة-الجزائر العاصمة. ويعتبر من المفكرين اللامعين والبارزين ، والدليل كثرة إنتاجه العلمي وغزارة مداخلاته الأكاديمية ، رحل العالم ولم يكن بلغ ال 45 من عمره الحافل، رحل في حقبة من أسوا الحقب التي عرفها تاريخ الجزائر المستقلة والمعاصرة ،وكان رحيله خسارة كبيرة لبلاده وشعبه وعائلته وأصدقائه ، انطفأت شمعته في السن التي بدأت فيها عبقريته الناضجة تقدم الأفضل عن نفسه؛ أن على مستوى الأفكار أو كمواطن ملتزم في إطار الرد الرفضي المميز للمجتمع الجزائري ؛لأجل التنمية والعدالة والحرية من الكتاب محل الدراسة.